الجمعة، 1 نوفمبر 2013

أحكام المودود بتحفة المولود: مرحلة قبل الفطام

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مُقتطف من كتاب "تحفة المودود بأحكام المولود" للإمام "ابن القيم الجوزية".

ملاحظة: العناوين بين قوسين ليست في الكتاب، وإنما أضفتها لتسهيل القراءة.


فصل (الاقتصار على اللبن حتى نبات الأسنان)

وينبغي أن يُقتصر بهم على اللّبن وحده إلى نبات أسنانهم؛ لضعف معدتهم وقوتهم الهاضمة عن الطعام. فإذا نبتت أسنانه قَوِيت معدته، وتغذى بالطعام. فإن الله -سبحانه- أخّر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام لحكمته ولُطفه، ورحمة منه بالأمّ وحلمة ثديها، فلا يعضه الولد بأسنانه.

فصل (التدرج في الغذاء)

وينبغي تدريجهم في الغذاء، فأول ما يُطعِمونهم: الغذاء اللين. فيطعمونهم الخبز المنقوع في الماء الحار، واللبن الحليب، ثم ذلك الطبيخ، والأمراق الخالية من اللحم. ثم بعد ذلك ما لطُف جدا من اللحم بعد إحكام مضغه، أو رضِّه رضا ناعما.

فصل (تسهيل الكلام)

فإذا قربوا من وقت التكلم، وأُريد تسهيل الكلام عليهم، فلْتُدلَك ألسنتهم بالعسل والملح الأنْدَرَانِيّ لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام. فإذا كان وقت نُطقهم فيُلَقّنوا: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وليَكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه، وتوحيده، وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم، ويسمع كلامهم، وهو معهم أينما كانوا.

فصل (نبات الأسنان)

فإذا حضر وقت نبات الأسنان، فينبغي أن تُدلك لِثاهم كل يوم بالزبد والسمن، ويُمرّخ خرزُ العنق تمريخا كثيرا. ويُحذر عليهم كل الحذر –وقت نباتها إلى حين تكاملها وقوّتها- من الأشياء الصلبة، ويُمنعون منها كل المنع، لما في التمكين منها من تعريض الأسنان لفسادها وتعويجها وخللها. ص 340

ويتغير حال المولود عند نبات أسنانه، ويهيج به القيء والحُمِيّات وسوء الأخلاق، ولا سيّما إذا كان نباتها في وقت الشتاء والبرد، أو في وقت الصيف وشدة الحر. وأحمد أوقات نباتها في الربيع والخريف.

ووقت نباتها لسبعة أشهر، وقد تنبت في الخامس، وقد تتأخر إلى العاشر، فينبغي اتلطف في تدبيره وقت نباتها، وأن يكرر عليه دخول الحمام، وأن يُغذى غذاءً يسيرا، فلا يملأ بطنه من الطعام. وقد يعرض له انطلاق البطن، فيُعصب بما يكفيه، مثل عصابة صوف عليها كمون ناعم وكَرَفس وأَنيسون، وتُدلك لِثته بما تقدم ذكره. ومع هذا فانطلاق بطنه في ذلك الوقت خير له من اعتقاله. فإن كان بطنه معتقلا عند نبات أسنانه، فينبغي أن يُبادر إلى تليين طبيعته، فلا شيء أضَرُّ على الطفل عند نبات أسنانه من اعتقال طبيعته، ولا شيء أنفع له من سُهولتها باعتدال.

وأحمد ما تليّن به عسل مطبوخ يُتّخَذ منه فتائل ويُحمّل بها، أو حبق مسحوق معجون بعسل يُتخذ منه فتائل كذلك. وينبغي للمرضع في ذلك الوقت تلطيف طعامها وشرابها، وتجنب الأغذية المضرة.(ص 341)

فصل (فوائد بكاء الطفل)

ولا ينبغي أن يشُق على الأبوين بكاء الطفل وصُراخه، ولا سِيّما لشربه اللبن إذا جاع. فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما. فإنه يروِّض أعضاءه ويوسِّع أمعاءه، ويفسح صدره، ويسخن دماغه، ويحمي مزاجه، ويثير حرارته الغريزية، ويُحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول، ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره.

فصل (ضرورة القماط)

وينبغي ألا يُهمل أمر قِمَاطه ورباطه، ولو شق عليه إلى أن يصلب بدنه وتقوى أعضاؤه ويجلس على الأرض، فحينئذ يُمرّن ويُدرّب على الحركة والقيام قليلا قليلا إلى أن يصير له مَلَكة وقوة يفعل ذلك بنفسه.

فصل (وقاية الطفل مما يُفزعه)

وينبغي أن يُوقّى الطفل كل ما يفزعه؛ من الأصوات الشديدة الشنيعة، والمناظر الفظيعة، والحركات المُزعجة. فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته العاقلة لضعفها، فلا ينتفع بها بعد كِبره. فإذا عرض له عارض من ذلك، فينبغي المبادرة إلى تلافيه بضده، وإيناسه بما يُنسيه إيّاه، وأن يُلقم ثديه في الحال، ويسارع إلى رضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له، ولا يرتسم في قوته الحافظة، فيعسر زواله. ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة إلى أن ينام فينسى ذلك. ولا يهمل هذا الأمر، فإن في إهماله إسكان الفزع والروع في قلبه، فينشأ على ذلك، ويعسر زواله ويتعذّر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق